×

أطباء بلا حدود تحذر من الوضع في غزة

أطباء بلا حدود تحذر من الوضع في غزة

منذ 26 أغسطس/آب، تعيش الأراضي الفلسطينية حالة من الهدوء النسبي بعد أن شهدت قصفاً عنيفاً ابتدأ من 8 يوليو/تموز. إن الأضرار البشرية والمادية جسيمة كما أن الوضعيْن السياسي والاقتصادي لا يبعثان على التفاؤل.

(نقلا عن اطباء بلا حدود)

عندما أعلن عن وقف إطلاق النار غير المحدود غمرت حشود الأهالي المبتهجة شوارع غزة التي كان يطوف فيها إلى ذلك الحين سائقو سيارات الإسعاف الشجعان فقط. وعاد الطلبة إلى فصولهم الدراسية دون تأخير واستعادت الأعمال التجارية نشاطها وعاد الصيادون إلى البحر. وفيما لا يزال أهالي المنطقة المحاصرة مذهولين جراء 50 يوما من الإجهاد الحاد، خرجوا ليكتشفوا بأن المنطقة تعرضت للتشويه. وعاد مئات الآلاف من النازحين، الذين اتخذوا المدارس أو المستشفيات مأوى لهم، إلى مساكنهم لعل هياكلها لا تزال قائمة. وبينما نجت غزة نسبيا إلا أن بعض المناطق مثل بيت حانون والشجاعية دمرت بأكملها تقريبا.

يعيش اليوم عشرات الأشخاص في مساكن صممت لتأوي أسرة واحدة ودون ماء أو كهرباء. ويوضح الدكتور أبو عابد، منسق طبي في أطباء بلا حدود في غزة: ” نسجل ارتفاعا في الحوادث المنزلية، مثل الحروق والصعق الكهربائي، كنتيجة مباشرة للضرر الذي لحق بالمساكن”.

وما فتئت أطباء بلا حدود تقدم الدعم لمستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في غزة، منذ بدء المواجهات. وتصف الدكتورة كيلي ديلورث، أخصائية تخدير الأطفال، الوضع قائلةً: “أصعب ما واجهنا خلال تلك الفترة كان عملنا لليال متتالية دون نوم من أجل معالجة من توافدوا إلى المستشفى بالعشرات وهم يعانون من جروح بليغة. كما أننا لم نكن نعلم متى سينتهي كلّ ذلك. وقد قام زملاؤنا الفلسطينيون بعمل رائع لكن عبء العمل كان جد ثقيل”.

ولا تزال الفرق الطبية تكافح للحصول على استراحة هي في أمس الحاجة إليها. ويقول الدكتور يان سوينين، جراح أوعية: “إن الأشخاص ذوي الجروح الأكثر خطورة يحتاجون إلى العديد من الجراحات في الشهور القادمة، ويعاني العديد من الأشخاص من إصابات متنوعة، كالأطراف المشوهة والحروق البليغة والتمزقات الداخلية والمشاكل العصبية، فضلا عن تلك النفسية”. إن المجتمع الطبي الفلسطيني ضحية الحصار أيضاً. كما أصبح الأطباء الممارسون للعديد من الاختصاصات، مثل الجراحة الترميمية التجميلية، عاجزين عن الحفاظ على مهاراتهم.”

وقد استقبلت عيادة العناية اللاحقة للجراحة في وسط مدينة غزة والتي تديرها أطباء بلا حدود حوالي 200 مريض منذ عام 2007. ويتم إنشاء عيادة أخرى في خان يونس، 20 كيلومترا جنوبا، حيث الاحتياجات مماثلة. وكانت الغرف حيث يتم تغيير الضمادات وينجز العلاج الطبيعي ممتلئة دائما. ويحضر أمل دبان ابنه محمد ذي الخمس سنوات إلى هناك يوميا. كانت جروحه تتطلب عناية متخصصة. لقد وقع عليه جدار غرفة نومه عندما ألقيت قنبلة على المبنى فتكسر عظم فخذه. سيتم إخلاؤه إلى ألمانيا لإجراء عملية تثبيت طرفي الفخذ، وهي عملية غير متوفرة بشكل كبير في غزة نسبة إلى الحاجة الهائلة إليها. ومع ذلك، يستفيد عدد قليل من المرضى من هذه الفرصة.

ومن بين الوفيات المسجلة والتي تجاوزت 2,000 وفاة خلال عملية الجرف الصامد بلغ عدد الأطفال أكثر من 500. إن الآثار النفسية لدى الناجين ملموسة وتتراوح ما بين الاضطراب غير الطبيعي والصمت العميق. كانت بيسان ضاهر البالغة من العمر سبع سنوات تعيش في الشجاعية مع والديها وإخوتها الثلاثة وأختيْها. وفي 21 يوليو/تموز، أصاب صاروخ المبنى حيث تعيش. أنقذت بيسان بعد أن أمضت أكثر من ست ساعات مدفونة تحت الأنقاض وكانت الناجية الوحيدة. لم يعد الأطباء قلقين بتاتا بسبب الجرح على جبينها لكن اهتمام الجميع انصب على صمت الطفلة. ويفيد الممرض محمد وادي، الذي عمل مع أطباء بلا حدود في غزة سبع سنوات، بصوت متقطع: “لا أستطيع التوقف عن البكاء عندما أفكر فيها. إنني أرى فيها ابنتي”.

ويقول نيكولا بالاروس، مدير أنشطة أطباء بلا حدود طوال فترة القتال: “خلال أي نزاع آخر، قد يبحث المدنيون بشكل جماعي عن مأوى في البلد المجاور. في غزة ليس ثمة مكان آمن. لقد أصبح كل فرد هدفا ممكنا مما يوضح النسبة العالية من الضحايا في صفوف الأطفال.”

لقد حُكم الآن على فلسطينيي غزة بإعادة بناء سجنهم الذاتي الذي لا يمكن وصفه بالسجن في الهواء الطلق في ظل أزيز الطائرات دون طيار التي تجتاح السماء. إن القطاع الصناعي المحلي المحدود، الذي أقيم معظمه على طول الحدود مع إسرائيل، قد تأثر كثيراً. وأصبح التأثير الاقتصادي على الانتاج والعمالة حاداً ومن شأنه فقط أن يزيد من اعتماد غزة على المصادر الخارجية.

وبينما يستفيد الجميع من هذه الاستراحة التي طال انتظارها يسود شعور بالتشاؤم. ويقول نيكولا: “لم يتم التوصل إلى حل سياسي كما أن الوضع في غزة غير مستقر ويزداد خطورة. ويعتقد الأهالي أن ما يعيشونه ليس فترة ما بعد الحرب بل إنها فترة ما بين الحربيْن “.

(نقلا عن اطباء بلا حدود)