×

امريكا والفاتيكان يعلنان الحرب المشتركة ضد الرق المعاصر

امريكا والفاتيكان يعلنان الحرب المشتركة ضد الرق المعاصر

نشر هذا المقال بقلم وزير الخارجية جون كيري لأول مرة في النسخة الإلكترونية من صحيفة بوسطن غلوب يوم 20 نيسان/أبريل الحالي. وليست هناك قيود على إعادة نشره.

العمل مع الفاتيكان ضد الرق المعاصر

بقلم جون كيري، وزير الخارجية

سافرت في الشهر الماضي إلى روما بمعيّة الرئيس أوباما، حيث كان لي شرف الاجتماع بقداسة البابا فرانسيس. وبصفتي كنت في سنوات الصبا شماسًا أخدم كمساعد للكاهن قبل ستة عقود من الزمن، لم يخطر ببالي إطلاقًا أنني سأجد نفسي في يوم من الأيام على أعتاب حاضرة الفاتيكان لأقابل الحبر الأعظم في روما.

قبل ثلاث سنوات، قمت أنا وقرينتي تيريزا بزيارة مقدسة إلى مزار أسيسي (في إيطاليا) خلال عيد الفصح ثم توجهنا إلى بورزيأونكالا لزيارة الكنيسة الصغيرة التي رمّمها القديس فرانسيس من الركام، وكان ذلك من بين مآثره الخاصة بتحقيق النبوءة التي نزلت عليه والقائلة “أصلح بيتي”. وبعد ذلك بسنتين، جلسنا،أنا وتيريزا، في القدّاس الكبير في جورج تاون فيما روى لنا الكاهن القصة المؤثّرة للغاية عن اللحظة التي قرر فيها البابا فرانسيس أن يتخذ فرانسيس اسمًا له كحبر أعظم- بعد أن نبّه الكردينال القادم من البرازيل الرعيّة بألا “ينسوا الفقراء”.

واليوم يعرف العالم كله أن تلك لم تكن مجرّد بيان رمزي من البابا فرانسيس- بل كانت بداية رسالة دينية أصبحت الآن نموذجًا للعالم بأسره.

واليوم، وبصفتي أول وزير خارجية كاثوليكي في البلاد منذ 33 عامًا، أشعر بغبطة واعتزاز خصوصيين تجاه الطريقة التي يمكن بها للولايات المتحدة أن تشترك مع الحبر الأعظم في مواجهة بعض من أعتى التحديات العالمية.

وفي عداد هذه التحديات لا نجد خطرًا أفدح على كرامة البشر، ولا عدوانًا أشد على الحرية الأساسية، من شرور الاتجار بالبشر— ما نسمّيه الرق المعاصر الذي شجبه البابا فرانسيس نفسه ووصفه بأنه ” جريمة ضد الإنسانية”.

وسواء أكان ذلك في صورة فتاة تحبس في دار للدعارة، أو امرأة تستعبد كخادمة في البيوت، أو صبي يجبر على بيع جسده في الشارع، أو رجل يعنّف على قارب صيد، فإن ضحايا هذه الجريمة سُلب حقهم في العيش حسبما يشاؤون.

وكان ظاهرًا منذ سنين أن هذه الجريمة تمسّ بصورة سلبية كل بلد من بلدان العالم. فهناك ما يقدّر بسبعة وعشرين مليونًا من بني البشر أصبحوا ضحايا، والولايات المتحدة هي أول دولة تعترف بأنه ليست هناك حكومة واحدة في العالم كله تقوم بما فيه الكفاية حيال ذلك.

ولكننا فيما نتعمّق في الموضوع، بدأنا ندرك أن الرق المعاصر، شأنه شأن الكثير من تحديات القرن الحادي والعشرين، لا يعيش في فراغ. إنه مترابط مع العدد الجمّ من القضايا المثيرة لقلقنا في السياسة الخارجية، ابتداءً من استدامة البيئة ومناصرة تحسين معيشة النساء والفتيات، إلى مكافحة الجريمة المنظّمة والعابرة للحدود القومية. وحيثما وجدنا آفة الفقر وانعدام الفرص— وحيثما ضعفت سيادة القانون وتجذّر الفساد، وحيثما بات السكان لا يعوّلون على حكوماتهم ودوائر تطبيق القانون في بلدانهم لحمايتهم— نجد ليس فقط ضعفًا تجاه مقاومة الاتجار بالبشر، إنما أيضًا مجالات للإفلات من العقاب حيث يستطيع المتّجرون بالبشر افتراس ضحاياهم بكل سهولة.

ويقع أحد المجالات الكبرى للإفلات من العقاب خارج الحدود لأي دولة بالتحديد أو سلطتها القضائية. إذ تبيّن الأبحاث أن الأشخاص الذين يجبرون على القيام بأعمال السخرة في أعالي البحار يتعرّضون للاعتداء والاستعباد الغاشمين. ولا يمكن فصل هذه الحقيقة عن دواعي قلقنا الأخرى بشأن البحار والمحيطات. وإذا كنّا نبتغي تأمين طرق آمنة للتجارة الحرة، ودعم الأمن الغذائي العالمي، أو كبح تدهور البيئة، فإن تجاهلنا لأوضاع المحيطات يعرّضنا للتهلكة.

إن الاتجار بالبشر يتقاطع مع كل هذه القضايا.

هل تظنّون أن قبطان سفينة ما، الذي ينهال بالضرب على بحارته ويقتلهم سوف يحترم حصّته المحدّدة للصيد؟ وهل تظنّون أنه سيحترم القوانين المرعية ضد تهريب المخدّرات والأسلحة المحظورة والبشر؟ وهل تظنّون أنه سيساهم في المحافظة على البيئة لأجيال المستقبل؟ إن الأجوبة على كل ذلك بديهية مثلما هو الحال بالنسبة لضرورة معالجة هذه المشكلة مباشرة.

إننا نشرع في تحقيق تقدم. لقد وجّهت مكتب مكافحة الاتجار بالشر في وزارة الخارجية بأن يركّز كل التركيز على الطريقة التي يتشابك فيها الرق المعاصر مع دواعي القلق الاقتصادية والبيئية. هذا مثال قوي على الكيفية التي نتعاطى بها مع الطوائف الدينية لحل طائفة من القضايا العالمية الملحّة ذات الاهتمام المشترك، بالمشاركة مع مبادرات المكتب الجديد المختص بشؤون الطوائف الدينية في وزارة الخارجية، بقيادة الدكتورة شون كيسي التي اخترتها من معهد وزلي اللاهوتي لتشغل هذا المنصب.

وهناك مشارك رئيسي في هذه الجهود هو منظمة Apostolate of the Sea، وهي منظمة كاثوليكية لها شبكة منتشرة في جميع أرجاء العالم من رجال الكهنوت والناس العاديين المتدينين ممن يخدمون صيادي الأسماك وعائلاتهم. ونحن على ثقة أننا بعملنا سوية مع هؤلاء سنستطيع تحسين السبل التي نعثر بها على شبكات الرق المعاصر، ونتعرف على ضحاياها لكي نبعدهم عن طريق الأذى، ونجلب جلاديهم إلى العدالة.

وفيما يحتفل المسيحيون حول العالم بعيد الفصح، فإن هذا هو الوقت المناسب لتركيز أنظارنا. فالسيد المسيح وجد أتباعه الأوائل بمحاذاة شاطئ بحيرة طبريا. وقد جاء بهم من قوارب صيدهم ليصبحوا حواريّيه، ولينشروا رسالته القائمة على المحبّة والتعاطف والتراحم. إنها رسالة يمكن أن يسترشد بها، لا سيما في عيد الفصح، أتباع جميع الأديان. وحينما نؤمن بإنسانيتنا المشتركة وندافع عن كرامة البشر أينما وجدوا، فسوف نحقق رؤيا قيام عالم أكثر حرية وأكثر عدالة- عالم متحرر من العبودية.