×

روسيا والدرع الصاروخي في سجال الانتخابات الاميركية

روسيا والدرع الصاروخي في سجال الانتخابات الاميركية

 بقلم د. منذرسليمان*

          في محادثة خاصة مع مستشار الامن القومي الاسبق زبغنيو بريجنسكي حول رؤيته للشؤون الدولية (سيتم نشرها قريبا) المح الى ان الرئيس “اوباما سمح للكونغرس بابتزازه في الشؤون الخارجية بدلا من ان يكون هو المبتز، (مؤكدا انه) بوسع الرؤساء القيام بذلك.” يبدو ان ملاحظة بريجنسكي لا تنسحب على الاعضاء الجمهوريين في الكونغرس فحسب، بل تشمل حتى مرشحي الحزب الجمهوري لمنصب الرئاسة، وخاصة ميت رومني ونيوت غينغريتش.

 

        من النادر، لا بل من غير المألوف على الاطلاق ان يقدم مرشح رئاسي على انتقاد رئيس اميركي لا يزال يشغل البيت الابيض وهو في جولة خارجية. اذ تقضي الاعراف والتقاليد عادة ان يتحاشى اعضاء الحزب المنافس، سواء اعضاء فاعلين في الكونغرس ام من هم خارج الخدمة الرسمية، توجيه الانتقادات للرئيس الاميركي او اعلان مواقف في السياسة الخارجية تتناقض مع سياسة الرئيس الراهنة تؤدي الى احراجه خلال زيارته الخارجية، ويتم الانتظار حتى عودته للبلاد. ولكن هذ ما ارتكبة بالضبط ميت رومني، المرشح الجمهوري، الذي يتصدر السباق الرئاسي عن الحزب الجمهوري، معلنا بصورة مفاجئة تظهر سطحية خبرته في الشؤون الدولية لدرجة مفزعة من الجهل، ووجهت له انتقادات شديدة في الصحافة الاميركية ووصفته بالمتهور وغير جدير بمرشح اساسي منافس لمنصب الرئاسة، عدا عن تلفظه سلبيا نحو روسيا يذكر بعصر الحرب الباردة الذي اعتبرها الخصم الجيوستراتيجي الدائم والاساسي للولايات المتحدة.

 

        لا شك ان رومني حاول انتهاز الفرصة لحشد تأييد المحافظين لجانبه عبر اعلانه لمواقف ايديولوجية متشددة ضد روسيا، ولم يأبه في اختيارات المكان والزمان المناسبين للادلاء بتصريحات يمكن ان تسيء الى العلاقات الثنائية مع روسيا، في وقت تجهد فيه ادارة اوباما لاستمالة روسيا وتعديل مواقفها لتصبح اكثر مرونة حيال بعض القضايا الساخنة والتي تشهد خلافا حادا بين الطرفين، وخاصة فيما يتعلق بمعالجة ملفي سورية والدرع الصاروخي، وبعد لجوء روسيا  مؤخرا لاستخدام حق الفيتو مرتين متتاليتين في مجلس الامن مسجلة اعتراضها على قرارات اسهمت في صياغتها الولايات المتحدة لمعالجة الشأن السوري.

 

        وفرض ملف الدرع الصاروخي نفسه على حملة الانتخابات الرئاسية عبر محادثة جانبية عابرة بين الرئيس اوباما ونظيره الروسي، مدفيديف، تم نقلها على الهواء مباشرة. وكانت على الشكل التالي:

اوباما:    على صعيد كافة هذه المواضيع، وبشكل خاص ا(نظام) الدفاع الصاروخي، باستطاعتنا التوصل الى حل لكن المهم ان يتيح لي بعض الفرصة.

 

مدفيديف: نعم، ادرك ذلك. افهم مغزى اشارتك للفرصة. فرصة لك

اوباما:    هذه الجولة الترشيحية الاخيرة بالنسبة لي. وبعد اعادة انتخابي سيتوفر لدي مرونة اكبر.

مدفيديف: افهم ذلك. سأقوم بنقل هذه المعلومات لفلاديمير.

        نشأ عن المحادثة المرتجلة بينهما عدد من العواقب غير المحسوبة. فلاول مرة منذ سنتين تقريبا برزت روسيا كمسألة سياسية كبيرة. ووصف المرشح الجمهوري ميت رومني روسيا بانها “الخصم الجيوسياسي رقم واحد” للولايات المتحدة. وبعد ايام قلائل قال رومني امام منبر يعنى بالشؤون الخارجية “السجل المتوفر يدل على ان الرئيس اوباما اثبت انه مطواع ومَرِن حول مسألة الدفاع الصاروخي وقضايا اخرى تتعلق بالامن النووي دون الحصول على تنازلات ذات قيمة من روسيا، فهو قد تخلى عن منصاتنا المخصصة للدفاع الصاروخي في بولندا. ومنح روسيا (الحق في) ممارسة ضوابط جديدة على ترسانتنا النووية. واذعن لمطلب روسيا بشأن استصدار قرار من الامم المتحدة يستثني العقوبات القاسية من البرنامج النووي الايراني.”

 

لم ينتظر الرئيس ميدفيديف طويلا لازداء نصيحته للمرشحين الاميركيين لمنصب الرئاسة بـ “فحص ساعاتهم،” اذ ان العقارب تشير الى اننا في عام 2012 وليس “في عصر منتصف السبعينيات.”

 

        اثارت تلك الحادثة مزيدا من الشكوك لنوايا البيت الابيض بين الاميركيين لاعتبارها قد تؤسس لنهج اوباما المقبل بعد انتهاء صخب الحملة الانتخابية، لا سيما انه لجأ مرارا لاستخدام صلاحياته الرئاسية بغية تمرير مشروع معين بالقفز عن الكونغرس خشية افشاله. كما يرى البعض ان تصريحات اوباما تدل على عزمه التحرك قدما على عدة جبهات داخلية، مثل الحد من الاسلحة الشخصية المرخصة دون اللجوء لتشريع بذلك من الكونغرس. الامر المقلق ان اوباما تحدث صراحة عن نظام الدفاع الصاروخي، ذو الابعاد السياسية المعقدة وما يمس الامن القومي والسياسة الخارجية.

 

        نلفت الانتباه الى ما ورد في تحليل المركز قبل نحو اسبوعين حول “اسرائيل” ونظام القبة الحديدية، اذ جاء ان مزايا النظام في مرحلة الاستشعار والتصويب ومن ثم الاعتراض تتغير بصورة دراماتيكية امام زيادة مدى الصواريخ القادمة – اي ان زيادة سرعة الجسم القادم تترجم الى سرعة اكبر في الانقضاض.

 

القانون الفيزيائي اعلاه ينطبق على الحالة الاوروبية كما على الشرق الاوسط. النظام الدفاعي الاصلي الذي سعت لتطبيقه ادارة الرئيس بوش الابن كان يفترض تموقع مكوناته الرئيسية في ثلاث محطات. المحطة الاولى تقتصر على شبكة الرادار في الخطوط الامامية قريبا من الحدود الايرانية بغية توفير نظام انذار مسبق. يتم تحويل المعلومات التي تم تجميعها الى شبكة رادار كبرى تعمل على موجة إكس، وتعرف بالرادار الاوروبي متوسط المدى صمم للسماح للدفاعات الاميركية تنقية الموجات وتتبع المسار وتحديد كتلة من الاهداف. كان من المفترض ان ينشر النظام في موقع محدد في مدينة براغ بجمهورية التشيك. المحطة الثانية مكونة من حزمة بها عشرة صواريخ اعتراض، والمنوي اقامتها في شمال الاراضي البولندية. وحسب ما افادت المصادر الاميركية المعنية فان صيغة نشر النظام المذكورة باستطاعتها توفير حماية متراكمة لاراضي الولايات المتحدة الى جانب توفير حماية اولية لحلفاء الناتو ضد هجمات ايرانية مفترضة بالصواريخ الباليستية. اللافت للنظر ان ذلك النظام لا يستطيع اعتراض الصواريخ الروسية العابرة للقارات بحكم مسار تحليقها باستخدام اجواء القطب الشمالي وليس الاجواء الاوروبية.

 

        الاعتراض الروسي على نشر النظام المذكور له ثلاثة ابعاد. الاول، الاخذ بعين الاعتبار ان النظام لن يستطيع ايقاف الصواريخ الروسية العابرة للقارات، كما اسلفنا، الا انه قد يكون فعالا في اعتراض الصواريخ الباليستية الروسية المصوبة نحو اوروبا الشرقية.

 

        ثانيا، اجيال الصواريخ التي تخضع للتعديل باستمرار تشكل تهديدا اكبر للنظام من اجل مواجهة القوات الصاروخية الروسية على المسرح الاوروبي.

 

        ثالثا، القدرات الكامنة في موجة إكس الرادارية المخولة بتتبع الصواريخ القادمة ومكان تثبيتها. من هذا الجانب وقع الاختيار على جمهورية التشيك لما توفره من قدرة اضافية لمراقبة الصواريخ الروسية بدل الصواريخ الايرانية.

 

       ايضا، القدرة الافتراضية لمنظومة الرادار كانت احد العوامل المشار اليها. اقرارا بأن نظام الرادار المعمول به حاليا لن يكون بوسعه تعقب مئات الصواريخ والاجسام الاخرى القادمة دفعة واحدة، فان الخبراء الروس يعربون عن قلقهم لامكانية تطوير ميزة النظام في زمن لاحق للتصدي بفعالية اكبر.

 

        الحد التقني الاقصى لقدرة النظام الراداري بتتبع اعدادا كبيرة من الاهداف يخضع لقيود فعالية الهوائيات المنصوبة وحجمها ومعدل شعاع الطاقة الصادر. باستطاعة البنتاغون ادخال تحسينات على هذين العاملين وتعزيز قدرات النظام. اذ ان حجم الهوائيات وفعاليتها وشعاع الطاقة الصادر عنها في النظام الاميركي لموجة إكس الرادارية محكوم بعدد وحدات الارسال والاستقبال المثبتة امامها. فالمخططات الاولية حددت العدد بنحو 20,000 وحدة ارسال واستقبال موزعة على مساحة قرص الهوائي التي تتراوح بين 100 الى 120 متر مربع، كل منها باستطاعته اصدار شعاع بقوة 2 الى 3 وات من الطاقة.

 

        العدد الاقصى لوحدات الارسال والاستقبال المثبتة يبلغ نحو 300,000 ونيف، واذا ما تم مضاعفته بمعدل 16 او 17 مرة، فان مساحة الهوائي الفعالة وشعاع الطاقة الصادر ستتضاعف بذات النسبة، واللذين باستطاعتهما توفير زيادة تبلغ نحو 300 ضعف الفعالية الاصلية. وهذا هو احد العوامل التي تدفع بالجانب الروسي للتعرف على جزيئات الرادار، ويعللون الامر بانه السبيل الموثوق للتحقق من ان النظام لن يوجه ضد بلادهم، بينما يرى الجانب الاميركي فيه ثغرة يستفيد منها الجانب الروسي لتعميق مفهومه بالتقنية المضادة للصواريخ.

 

        وينطبق ذات الامر على معرفة اسرار نظم صواريخ الاعتراض من طراز SM-3 التي تشتمل على تقنية الارتطام للفتك ولمعلومات سرعة نضوب الصاروخ. ان مدى الصاروخ عادة يحتسب بالسرعة القصوى التي بلغها عند نقطة نفاذ الوقود (سرعة النضوب). على سبيل المثال، ان صاروخ باليستي قصير المدى، نحو 500 كلم، تصل سرعته نحو 2.2 كلم/ث، بينما صاروخ متوسط المدى، 5000 كلم، تبلغ سرعة نضوبه نحو 5.7 كلم/ث. عند التيقن من سرعة النضوب المفترضة، باستطاعة الخبراء الروس معرفة اي من الصواريخ ينبغي استهدافها بنجاح. وكما اشرنا في تحليلنا السابق لنظام القبة الحديدية، فان تقنية التصويب للفتك تؤثر الى حد كبير على فعالية الرأس الحربي المعترض.

 

        من الواضح ان الرئيس اوباما يدرك حجم الضغط السياسي الذي يتعرض له من خصومه الجمهوريين في اجواء الانتخابات الرئاسية، مما يلجم نزعته للتوصل الى اتفاق يرضي الجانب الروسي. مع العلم انه لن يكون باستطاعته استصدار موافقة الكونغرس على اتفاقية حول الصواريخ وفي ذات الوقت يهيء للتأقلم مع مطالب الجانب الروسي، فمن المرجح ان يلجأ لاستخدام صلاحياته القانونية للتوصل الى اتفاقية “الامر الواقع” مع روسيا بعد انتهاء الانتخابات.

 

        غني عن القول ان قلق الخصوم الجمهوريين من نوايا الرئيس اوباما تستند الى معطيات مادية. ومن بين الزعماء الجمهوريين الذين يخشاهم اوباما، رئيس اللجنة الفرعية للقوات المسلحة حول القوات الاستراتيجية في مجلس النواب، مايكل تيرنر، الذي يتمتع بصلاحية الاشراف المباشر على مسائل الدفاع الصاروخي. اذ وجه خطابا لاوباما يحذره من تجاوز صلاحيات الكونغرس، بالقول  “اثناء مداولات المصادقة على اتفاقية ستارت جديدة، قدمت تعهدات واضحة لتهدئة مخاوف الجانب الروسي حول نظام الدفاع الصاروخي تفيد انه لا يمكن السماح له بالتأثير على مخططات الولايات المتحدة لنشره. كما تعهدت مجددا بأن الولايات المتحدة ستعمل على تطوير نظامها نوعا وكما. وآثرت تجنب تقديم تعهدات مفصلة لتحديث قوة ردع الترسانة النووية الاميركية؛ فهل تنوي الان القاء تعهداتك جانبا فيما يتعلق بنظام الدفاع الصاروخي ايضا؟

 

        التحديثات النوعية والكمية التي وعد اوباما الكونغرس بها هي بالذات أس القضايا العالقة مع الجانب الروسي. ولهذا السبب يخالج اوباما الاعتقاد بانه ينبغي على الجانب الاميركي اشراك الطرف الآخر ببعض المزايا التقنية للتخفيف من روعه.

 

        المعضلة في هذا التوجه تعود للنصوص المقيدة الواردة في قانون تفويض الدفاع القومي لعام 2012 والتي تحد من القدرة على مشاركة الاتحاد الروسي معلومات سرية تتعلق بنظام الدفاع الصاروخي الاميركي. وتمت المصادقة عليه للخشية من نوايا الادارة الاميركية بالموافقة على التعاون المعلوماتي  فيما يخص قدرة النظام على استهداف وتدمير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وعند توقيع اوباما على المشروع ليصبح قانونا ساري المفعول، اصدر رسالة مرفقة تشير الى ان الفقرة الخاصة بحماية المعلومات المتعلقة بنظام الدفاع الصاروخي هي غير ملزمة.

 

        يسود القلق الشديد الاقطاب المتشددة في الحزب الجمهوري من توفير اوباما الفرصة للجانب الروسي للاطلاع على اسرار الصواريخ – ولا تقتصر على اسرار الصواريخ الدفاعية المتعلقة بقدرتها على اعتراض الصواريخ العابرة للقارات. وقبل نحو عام مضى، كشف تقرير نشرته صحيفة التلغراف اللندنية عن “سلسلة من الرسائل المصنفة سرية مرسلة لواشنطن من قبل الوفد الاميركي المفاوض (مع الجانب الروسي) تشير الى اهمية المعلومات المتعلقة بالقدرة النووية البريطانية لضمان الحصول على موافقة روسية على صفقة “ستارت جديدة.” على الرغم من ان الاتفاقية لن تؤثر على بريطانيا مباشرة، فالبرقيات الرسمية التي تم تسريبها تشير الى ان روسيا استخدمت المفاوضات لطلب مزيد من المعلومات المتعلقة بصواريخ ترايدنت المنتشرة على الاراضي البريطانية. رفضت بريطانيا الطلب، لكن الولايات المتحدة وافقت على تسليم الارقام التسلسلية لصواريخ ترايدنت الى بريطانيا.

 

        كما ان هناك مخاوف لدى الغرب من قيام روسيا تسريب المعلومات المذكورة الى اطراف اخرى ليست صديقة للولايات المتحدة. ففي عام 2007، وجهت الاجهزة الاستخبارية الاميركية اتهاما لمؤسسات روسية بعينها لقيامها مشاركة ايران في تقنية الصواريخ الباليستية مما ساهم في ولوج ايران نحو الاكتفاء الذاتي في انتاج الصواريخ الباليستية. اذ يعتبر الغرب ان ايران حين تحصل على معلومات تقنية تتعلق بقدرات انظمة الدفاع الصاروخي ستصبح خطرا اكبر مما هي عليه راهنا.

        يروى ان لدى اوباما رغبة جادة في التوصل الى اتفاق حول الصواريخ الدفاعية مع روسيا قبل نهاية ولايته الرئاسية الثانية. لكنه في الحقيقة مقيد اليدين. ينص مشروعه الراهن على نصب منصات نظام ايجيس للدفاع الصاروخي في المياه الاقليمية الرومانية (البحر الاسود) عام 2015، ومن ثم نشرها في المياه الاقليمية البولندية عام 2018، والتي من شأنها تعزيز النظم المنصوبة على السفن الحربية الاميركية. باستطاعة الصواريخ المذكورة اعتراض صواريخ قادمة ذات المديات القصيرة والمتوسطة وهي في مسار تحليقها عبر اطلاق رأس حربي متحرك للفتك بها. لكن الجانب الروسي اعرب عن مخاوفه من القدرات التقنية المحدودة للنظام المذكور، اذ ان كل من نظام ايجيس وصاروخه من طراز SM-3قد اجريت عليهما تعديلات لتطوير قدراتهما عبر السنوات السابقة وقد يشكلان خطرا اكبر على الصواريخ الروسية. وتم الافصاح عن تلك المخاوف حين هددت روسيا النرويج، التي كانت تنظر في شراء نظام ايجيس لنصبه على بعض السفن. واعلن رئيس هيئة الاركان للقوات المسلحة الروسية، نيكولاي ماكاروف، بصريح العبارة ان روسيا لن تقبل مرابطة سفن اميركية مزودة بنظام ايجيس بالقرب من اراضيها المتاخمة للقطب الشمالي او في البحر الاسود.

 

        ارسلت روسيا اشارات تهديدية ايضا للنظام الصاروخي. ففي شهر تشرين2 / نوفمبر من العام الماضي اطلق الرئيس الروسي نيكولاي ميدفيديف تهديدا بعزم روسيا نشر صواريخها في منطقة كالينينغراد، التي تشترك حدوديا مع بولندا وليثوانيا، وتصويبها نحو مواقع الصواريخ الدفاعية الاميركية ان لم يتم التوصل الى اتفاق بهذا الامر.

 

        الخيار الوحيد المتاح لاوباما الآن هو تصدير المسالة الى مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية، حين يتوفر لديه آنذاك ثلاثة خيارات – كلها لا تلقى تأييدا من الناخبين المحافظين في اميركا او في جانب الحلفاء. الاول، وقف العمل لنشر الصواريخ المضادة في اوروبا بالاستناد الى العجز الهائل في الميزانية مما يتطلب اجراء تخفيضات في الانفاق. وهذا من شانه اغضاب الحلفاء الاوروبيين الذين اضطروا لاستثمار ارصدتهم السياسية محليا من اجل الحصول على نظام صاروخي اميركي للدفاع، ومن شأنه ان يغضب ايضا الناخبين الاميركيين من المحافظين.

 

        الثاني، تخفيض القدرة التقنية للنظام لمستويات تبعث على الشعور بالاطمئنان للجانب الروسي. لكن حقيقة الامر ان نظام ايجيس بالكاد يستطيع اعتراض ترسانة الصواريخ الايرانية راهنا. تخفيض فعالية النظام من شانها ان تحيله الى نمر من ورق واثارة مخاوف الدول الاوروبية من ان اميركا هي حليف لا يمكن الاعتماد عليه.

 

        ثالثا، اشراك الجانب الروسي في المعلومات التقنية المتعلقة بالنظام الدفاعي. بالنظر الى سريان مفعول قرار يحرم ذلك، الى جانب التداعيات السياسية من وراءه خلال الفصل الانتخابي يعد مجازفة خطيرة. قد يكون اوباما يعيش اواخر ايام عهده، لكنه لا يزال بحاجة الى دعم من المشرعين الديموقراطيين في مجلسي الكونغرس للقيام باية خطوة. كما يجب عدم اغفال الانتخابات النصفية التي ستنعقد عام 2014 والتي تنذر بوضع غير مريح سياسيا لاعضاء مجلس الشيوخ من الديموقراطيين مقابل وضع خصومهم الجمهوريين المريح نسبيا.

        البديل الاخر هو القاء المخاوف الروسية جانبا، مما سيترتب عليه عدم التوصل الى اتفاق ثنائي والاطاحة باحلام اوباما لتحقيقه.

        من الواضح ان اوباما بحاجة الى قدر من المرونة – والتي افصح عنها في ملاحظته المفاجئة للرئيس الروسي خلال فترة البث الحي.

* مدير مركز الدراسات الاميركية والعربية

  • ·        وجهات النظر في هذا الموضع لا تعبر عن وجهة نظر وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك.  الموضع لا يعبر الا عن وجهة نظر كاتبه.