×

طريق “امريكي” جديد للحرير في وسط آسيا

طريق “امريكي” جديد للحرير في وسط آسيا

بقلم فاطمة سومر

فيما تنتقل الولايات المتحدة إلى علاقة مختلفة جوهريًا مع أفغانستان الديمقراطية والموحدة، فإنها – أي الولايات المتحدة – تتخذ خطوات للعمل مع الشركاء الإقليميين للبناء على المكاسب التي شهدها العقد الماضي. ومحور هذا الجهد هو فتح أسواق جديدة وربط أفغانستان بكل من باكستان والهند وما وراءهما من بلدان أخرى. إن تعزيز هذا الترابط في منطقة تُعد الأقل تكاملا من الناحية الاقتصادية في العالم هو أمر صعب، ولكنه حيوي لتحويل العديد من هذه الاقتصادات من كونها تعتمد على المساعدات إلى اقتصادات مزدهرة باعتبارها شراكات تجارية مربحة. وهذا هو السبب في أن الولايات المتحدة تدعم “مبادرة طريق الحرير الجديد”، التي تربط آسيا الوسطى بجنوب آسيا من خلال أسواق الطاقة الإقليمية، وطرق التجارة والنقل، وتحسين منظومتي الجمارك والحدود، وربط الشركات التجارية بعموم الناس.

بيد أن “طريق الحرير الجديد” لا ينبغي أن يُنظر إليه باعتباره “نظرية محصّلتها إما الربح وإما الخسارة” تتعدّى على التحالفات الطبيعية والتاريخية مع القوى الإقليمية، ولكن يمكن اعتباره عملية ضرورية للاستقلال والتنمية الاقتصادية في المنطقة. وفي الواقع، يمكن للطرق الجديدة للعبور والتجارة بين الشمال والجنوب والتي تربط بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا أن تكمل الروابط المتنامية بين الشرق والغرب عبر منطقة أوراسيا، بما في ذلك تلك الروابط التي تسعى إليها كل من الصين وروسيا.

وليس هناك رمز يمثل إمكانية التغيير في هذه المنطقة أعظم من جسر الصداقة القائم على الحدود بين أفغانستان وأوزبكستان. فقبل 25 عامًا غادرت القوات السوفيتية أفغانستان عبر هذا الجسر. وحينما وقفتُ على جسر الصداقة في الشهر الماضي، رأيتُ إمكاناته المستقبلية باعتباره شريان الحياة التجارية الذي يمكن أن يزيد من الرخاء والاستقرار في المنطقة. وهذا الجسر المجهز للنقل المتعدد الوسائل سيسمح للشاحنات، وعربات السكك الحديدية، ومراكب الشحن أن تزود بالبضائع أسواقا جديدة في مختلف أنحاء آسيا، إذا قامت الحكومات المحلية باتخاذ الخطوات اللازمة لدمج اقتصاداتها وحدودها.

لقد خلقت الاستثمارات الأميركية والمتعددة الأطراف في مجال النقل والبنية التحتية للحدود والتي جرت على مدى العقد الماضي كثيرًا من البُنى التحتية الملموسة اللازمة لدعم التجارة عبر الحدود. وتشمل هذه الاستثمارات خطوط السكك الحديدية الممتدة من أوزبكستان إلى أفغانستان، والجسور والطرق التي تربط طاجيكستان وأفغانستان، وكذلك المرافق المتطورة للشاحنات والموانئ القادرة على نقل كميات كبيرة من السلع والبضائع بسرعة. كما أن وسائل التكنولوجيا مثل الماسح الضوئي بالسكك الحديدية الذي قام بتركيبه الجيش الأميركي على الجانب الأوزبكي من جسر الصداقة يمكنها تسريع عمليات فحص شحنات السلع التجارية التي تعبر الحدود عن طريق السكة الحديدية، مما يلغي الحاجة لتفتيش كل حاوية منقولة عبر السكك الحديدية من جهة، والحد بشكل كبير من الوقت المستغرق في عبور الحدود والتكلفة من جهة أخرى.

لقد زادت هذه الاستثمارات بالفعل من معدلات التجارة الإقليمية. وانخفض متوسط ​​تكلفة عبور الحدود في آسيا الوسطى إلى 15 في المئة في السنوات الثلاث الماضية، وازداد حجم التجارة البينية بنسبة 49 في المئة على مدى السنوات الخمس الماضية. ولكن يجب القيام بأكثر من ذلك بكثير لإطلاق العنان لفرص التجارة والاستثمار المحتملة.

وتواصل الولايات المتحدة والقوى الإقليمية دعم انضمام أفغانستان وكازاخستان إلى منظمة التجارة العالمية حتى يتمكنا من الانضمام إلى مجتمع التجارة العالمية. ويجب على الحكومات في المنطقة أيضًا تمرير وتنفيذ اتفاقات التجارة والعبور المؤقت عبر الحدود، ومواءمة أنظمتها الجمركية بحيث يمكن أن تتدفق البضائع عبر الحدود المفتوحة والآمنة في الوقت نفسه.

ويمكن لهذه الخطوات أن تسفر عن نتائج كبيرة. فقد وجدت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، على سبيل المثال، أن المساعدة التقنية الأميركية والتزام الحكومة الأفغانية ساعدا في تبسيط إجراءات الجمارك في سبع نقاط عبور على الحدود الأفغانية، مما أدى إلى تسريع وتيرة المعاملات التجارية عبر الحدود؛ إذ استغرقت المعاملة التجارية الواحدة ثلاث ساعات ونصف الساعة في عام 2013 مقابل ثمانية أيام في عام 2008.

بيد أن أكبر فرصة لربط هذه المنطقة ربما تكمن في قطاع الطاقة، حيث يمكن للدول الغنية بالطاقة في آسيا الوسطى أن توفر ذات يوم الغاز الطبيعي والكهرباء إلى دول جنوب آسيا المتعطشة للطاقة. ففي الشهر الماضي، صوّت مجلس إدارة البنك الدولي من المدراء التنفيذيين لصالح مشروع التجارة ونقل الكهرباء بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا المعروف اختصارًا بالإنكليزية بمشروع كازا 1000 (CASA-1000) الذي سيبيع 1300 ميغاواط من كهرباء القرغيز والطاجيك إلى أفغانستان وباكستان. وقد دعمت الولايات المتحدة بقوة هذا المشروع لأنها تدرك الآثار التاريخية لإنشاء شبكة إقليمية للطاقة تربط آسيا الوسطى بجنوب آسيا.

وبعيدًا عن البنية التحتية، فالرؤية المتعلقة بــ “طريق الحرير الجديد” تسعى أيضًا لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي الأوسع من خلال الاتصال والتواصل بين أفراد الشعوب. ففي شباط/فبراير 2014، تجمّع أكثر من 250 رجل أعمال من أفغانستان وكازاخستان واوزبكستان في مدينة مزاري شريف الأفغانية، بالقرب من جسر الصداقة، حيث وقّعوا بيانات نوايا لمبيعات تجارية تقدر بأكثر من 8 ملايين دولار. وثمة مؤتمرات مماثلة ترعاها الولايات المتحدة في كل من أفغانستان وبنغلاديش وكازاخستان وقيرغيزستان قد جمعت سوية بنجاح مئات الشركات التجارية ورجال الأعمال من جنوب آسيا وآسيا الوسطى، بمن فيهم النساء، قاموا بإجراء معاملات تجارية تقدر بملايين الدولارات وتعزيز علاقات مهمة تتجاوز الخطوط السياسية والدينية والعرقية.

وتُظهر هذه الالتزامات رغبة شعوب المنطقة في تجاوز الاختلافات التاريخية والنظر إلى مستقبل قوامه الترابط الاقتصادي الإقليمي الذي يمكن أن يزيد من الرخاء والاستقرار. لقد حان الوقت للحكومات أن تفعل الشيء نفسه.
نُشرت هذه المقالة التي كتبتها فاطمة سومر للمرة الأولى في النسخة الإلكترونية من مجلة السياسة الخارجية في 29 نيسان/أبريل، 2014. فاطمة سومر هي نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون آسيا الوسطى وجنوب آسيا. ولا توجد أي قيود على إعادة نشرها.