×

عيد الشكر، العطلة المفضلة لدى الأميركيين

عيد الشكر، العطلة المفضلة لدى الأميركيين

التعبير عن الشكر تقليد أميركي يعود إلى احتفال نيوإنغلاند سنة 1621 بوافر الغلال

لعل يوم عيد الشكر في الولايات المتحدة هو أهم الأعياد التي يحتفل بها الأميركيون على صعيد الأسرة. فقد جرت العادة على أن يحتفل الأميركيون بعيد الشكر بإعداد المآدب الكبيرة في بيوتهم أو ضمن إطار مجتمعي. إذ يأتي عيد الشكر في كل عام مناسبة تجمع بين الأصدقاء وتلم شمل الأهل وفرصة مشتركة تتيح للأميركيين التعبير الصادق بالامتنان لما يتمتعون به من نعمة الحرية ووافر المأكل والمشرب والمأوى اللائق وغير ذلك من المزايا والنعم.

إلى جانب ما يعده الأميركيون من صنوف الأطعمة ويقيمونه من ولائم، يتطوع الكثيرون منهم لإعداد أو توزيع الأطعمة وتقديم الوجبات للمحتاجين لا سيما في ما يعرف بمطابخ الحساء وفي الكنائس وملاجئ المشردين. ويتبرع البعض لحملات جمع الأغذية أو يشاركون في أعمال البرّ وجمع المال للمحتاجين. ومما يذكر أن كثيرا من المنظمات والجماعات الخيرية والتي لا تستهدف الربح المنتشرة في أنحاء البلاد تقيم خلال يوم الشكر سباقات خيرية تعرف باسم “هرولة الديك الرومي” لغاية جمع المال للأغراض الخيرية.

في ناحية أخرى لها علاقة بشؤون الحياة الدنيوية، يأتي عيد الشكر ليستهل بداية “موسم الأعياد” الذي يستمر حتى نهاية الاحتفال بعيد رأس السنة. فيوم الجمعة الذي يلي عيد الشكر، الذي جرى العرف على أن يحتفل به يوم خميس، يعتبر أكثر أيام السنة التي تعج بنشاط التسوّق والشراء.

وفي كل عام يصدر رئيس البلاد بيانا يعلن فيه يوم الخميس الرابع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر (الذي يصادف يوم 26 تشرين الثاني/نوفمبر من هذه السنة) يوما وطنيا للشكر. ولذا فهو يعتبر يوم عطلة فدرالية رسمية تعطل فيها الدوائر الحكومية والمدارس ومعظم مؤسسات القطاع الخاص بما فيها المصارف وشركات الأعمال التجارية.

يقول الرئيس أوباما في بيان هذا العام “نحن كأميركيين متحدرين من كل ركن من أركان العالم. وإننا إذ نتمسك بالتقاليد من كل الثقافات ونحتفل بها، يشكل عيد الشكر تقليدا وطنيا فريدا نشترك فيه جميعا. فروحه تربطنا وتشدنا معا كأمة واحدة وكل واحد منا ممتن لما أوتينا من نعم مشتركة.”

عيد الشكر الأول

تكثر وتتنوع الاحتفالات بمواسم الحصاد وجني المحاصيل في كثير من أنحاء العالم وتختلف أصولها، وعيد الشكر يعود في أصله إلى العام 1621 عندما أقام “الحجاج الإنجليز” المهاجرون الذي أسسوا مستعمرة بليموث (في ولاية مساتشوستس اليوم) وليمة احتفالية شاركهم فيها أفراد قبيلة هنود وامبانوغ.

كان الحجاج المهاجرون قد وصلوا البر الأميركي عام 1620 قادمين عبر المحيط الأطلسي منشقين عن كنيسة أنجلترا الرسمية ساعين إلى ممارسة معتقداتهم الخاصة البيوريتانية (التطهرية المتزمتة) بحرية. ولما كانوا قد وصلوا مستعمرة بليموث متأخرين عن موسم الفلاحة والزراعة اضطروا إلى التقشف الشديد بسبب ما عانوا من نقص المواد الغذائية في فصل شتاء عامي 1620 و1621 لكن ذلك لم يجنبهم موت نصف سكان المستعمرة. وعندما أهلّ موسم الربيع علّم أبناء قبيلة وامبانوغ الهندية المقيمون في المنطقة المهاجرين المستوطنين زراعة الذرة وغيرها من المحاصيل المحلية، كما ساعدوا القادمين الجدد على أكتساب المهارات والحذق في الصيد البري والبحري والنهري. ويعرض المتحف الأميركي للهنود الأميركيين في واشنطن العاصمة ما يدل على أن هنود وامبانوغ كانوا مجتمعا متقدما قطن المنطقة آلاف السنين.

وبعد أن جنى المهاجرون محاصيل وفيرة من الذرة والشعير والفاصولياء والقرع وجدوا في خريف العام 1921 أن ما عندهم من خير يستحق الحمد والشكر. فكان أن أقام المستعمرون وهنود وامبانوغ، الذين أحسنوا إليهم، وليمة احتفالا بالحصاد جلب إليها الهنود الغزلان للشواء وذلك للتعبير عن الشكر والامتنان لما أنعم الله عليهم من بركات. ومع أن من المعلوم أن المهاجرين ساهموا بتقديم لحوم الطيور، فإن باقي صنوف الأطعمة ما زال موضوعا مفتوحا للتكهنات. غير أن من المرجح أن المهاجرين جاءوا إلى الموائد بلحوم الديوك الرومية والبط وغيرها من الطرائد البرية وصنوف الأطعمة البحرية كبلح البحر (من المحاريات) والكركند وثعبان الماء إضافة إلى الخضروات والعنب والبرقوق والجوز.

يشيد الرئيس أوباما في بيانه بما كان من فضل “لإسهامات الأميركيين الأصليين الذين ساعدوا المستعمرين الأوائل في البقاء على قيد الحياة في أول شتاء قاس وفي الاستمرار في تعزيز هذه البلاد.” ويأتي عيد الشكر تذكرة لدور الأميركيين الأصليين بأول احتفال أميركي للشكر اعترافا بفضل الهنود في مشاركتهم المهاجرين معرفتهم ومهاراتهم. فلولا مساعدتهم لكان هناك احتمال بعدم بقاء المهاجرين الأوائل على قيد الحياة.

وبقي تراث التعبير عن الشكر حيا عبر القرون، وخاصة عن طريق المشاركة في الولائم. فقد دأب الرؤساء الأميركيون، منذ عهد الرئيس جورج واشنطن في العام 1789 على إصدار بيانات عيد الشكر. غير أن عادة إصدار البيان الرسمي سنويا لم تترسخ إلا في عهد الرئيس أبراهام لنكولن ببيانه في العام 1863. فقد دعا البيان إلى الاحتفال بالعيد في آخر يوم خميس من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام. وكان ذلك في الأيام المظلمة من فترة الحرب الأهلية. إلا أن لنكولن قال إن الأوقات الصعبة تجعل الوضع أكثر مناسبة للنعم والبركات “أن يتم الاعتراف بها بامتنان بقلب واحد وصوت واحد من الشعب الأميركي بأسره.”

في العام 1941 أصدر الكونغرس قرارا بجعل الخميس الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر يوم الاحتفال بعيد الشكر وذلك لضمان وجود فترة كافية بعد العيد للتسوق والشراء قبل حلول عيدي الميلاد ورأس السنة عندما يشتمل الشهر على خمسة أيام خميس.

وجرت العادة في كل سنة أيضا أن يعمد الرئيس إلى إصدار “عفو” عن ديك عيد الشكر الرومي. والواقع أنه يكون هناك اثنان من الديكة الرومية أحدهما احتياطي في حال سوء تصرف أحدهما أثناء مراسم العفو. وينقذ العفو الديكين من أن يصبح لحمهما طعاما على الموائد فيعيشان بقية حياتهما في حديقة حيوانات خاصة للأطفال حيث يستطيعون لمس الحيوانات ويربتونها.

تقاليد عيد الشكر

تشهد فترات أعياد الشكر أنشط وأكثف حركة للسفر البري والجوي لأفراد العائلات الذين يستقلون الطائرات والسيارات كي يلتئم شملهم بأهلهم وأصدقائهم في العيد. ويستمتع كثير من الأميركيين بالاستعراضات والمسيرات التي تنظمها مدن ومجتمعات كثيرة بمناسبة عيد الشكر. ويحتشد ملايين الناس في شوارع مدينة نيويورك وأمام شاشات التلفزيون للاستمتاع بمشاهدة العرض السنوي الرائع الذي يقيمه مخزن “ميسي” في نيويورك. ويقبل كثير من الأميركيين على مشاهدة مباريات كرة القدم (الفوتبول الأميركي) في الملاعب أو عبر التلفزيون. وفي خارج الولايات المتحدة يقيم كثير من البعثات الدبلوماسية حفلات بالمناسبة بينما تقدم لأفراد القوات الأميركية المسلحة أينما وجدوا وجبة عيد الشكر التقليدية.

الديك الرومي المحشي أو مع الحشوة والبطاطس المهروسة مع مرق اللحم والبطاطا الحلوة وصلصة العنب البري وفطيرة القرع الأصفر هي الأصناف التقليدية التي تتوفر على كل مائدة في عيد الشكر. غير أن هذا لا يمنع الحريصين على الصحة والذين لا يأكلون اللحوم من أن يتحفوا موائدهم بصنف مبتكر بديل عن اللحم عبارة عن رغيف يسمى بالإنجليزية “توفوركي” وهي كلمة مركبة من كلمتي “توفو” (بروتين من فول الصويا) و “تركي” الديك الرومي الذي يستعاض عن لحمه ببروتين من القمح.

وتقدم آلاف المنظمات الخيرية وجبات عشاء عيد الشكر الساخنة للمحتاجين ولكل من يأتي لتناول الوجبة، كما يتم التبرع بملايين الديوك الرومية المجلدة للعائلات في كل سنة.

يقول الرئيس أوباما في بيانه “إننا إذ نلتقي مرة أخرى بأحبائنا، دعونا نتواصل أيضا مع جيراننا وأبناء وطننا المحتاجين إلى مد يد المساعدة لهم. فهذا وقت لتجديد الأواصر التي تربطنا معا.”

ويطالب الرئيس أوباما الأميركيين أيضا بأن “يبدوا التقدير لرجال ونساء بلدنا في الخدمة العسكرية الذين يضربون المثل بخدمتهم التي تلهمنا جميعا. فدعونا نسترشد بتراث أولئك الذين كافحوا من أجل الحريات التي نعرب عن الشكر لها.”

Picture and video from the White House