المفهوم وغير المفهوم من محاكمة مبارك
بغض النظر عن الحُكم المتوقع يوم السبت في قضية حسني مبارك – الرئيس المصري السابق – فالمحاكمة في حد ذاتها ترسل رسالة قوية لأي رئيس قادم، خلاصتها أن السلطة التنفيذية خاضعة لسيادة القانون.
تم اتهام مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي وأربعة من كبار مساعدي وزير الداخلية بالتواطؤ في القتل والشروع في قتل 225 متظاهراً سلمياً، وإصابة أكثر من 1800 آخرين، في الفترة من 25 إلى 31 يناير/كانون الثاني 2011.
مبارك هو أول رئيس دولة عربية يظهر بشخصه منذ عشرات السنين في محكمة عادية، في حين حوكم زين العابدين بن علي رئيس تونس السابق غيابياً أواخر عام 2011، وكان صدام حسين قد حوكم أمام محكمة خاصة في الفترة 2005 و2006.
يحق للقاضي أحمد رفعت، رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة، أن يرجئ إصدار الأحكام في القضية، وإذا فعل هذا، فربما يعود السبب لأن الحُكم إذا صدر الآن فهو يصدر وسط حالة استقطاب عالية، قبل مرحلة الإعادة من انتخابات الرئاسة لاختيار الرئيس الذي سيخلف مبارك.
في أعقاب الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الأسبوع الماضي، تبين أن الرئيس القادم لن يخرج عن اثنين، إما محمد مرسي – مرشح الإخوان المسلمين، التيار المهيمن على البرلمان – أو أحمد شفيق – قائد سابق للقوات الجوية ورئيس وزراء مبارك لفترة قصيرة، وهو مرشح الحرس القديم في نظام مبارك.
يقول المراقبون الذين تابعوا محاكمة مبارك إن البراءة حُكم ممكن بلا شك. قال ممثل النيابة الأول في القضية علناً إن أمن الدولة وأجهزة أخرى في الدولة تورطت في عمليات إطلاق النار، قد رفضت التعاون مع تحقيقاته أو تسليمه المعلومات التي طلبها منها. وبينما يمكن التكهن بتورط مبارك في قرار استخدام الذخيرة الحية على المتظاهرين، فلا يبدو أن هذا التورط قد ثبت عليه.
وقد قال محامو الدفاع في مرافعاتهم الختامية، بأنه بينما يُحاكم مبارك ومسؤولي وزارة الداخلية على التواطؤ في القتل والشروع في القتل، فإن النيابة لم تحدد في مستندات الاتهام وغيرها من الأوراق، الأشخاص الذين ارتكبوا أعمال القتل بأنفسهم.
مبارك متهم أيضاً بقبول رشوة من حسين سالم، رجل الأعمال صاحب الاستثمارات في شرم الشيخ، بالإضافة إلى اتهامات أخرى بالفساد. كما تم اتهام علاء وجمال مبارك بقبول رشاوى – فيللات في شرم الشيخ – مقابل استغلال نفوذ والدهما.
إذا أدين حسني مبارك، فقد يتراوح الحُكم بين السجن ثلاث سنوات بتهم الفساد، إلى الإعدام بتهم القتل غير القانوني. لكن أي حُكم يصدر سيخضع لمرحلة طويلة من الطعن والاستئناف. اتخذ القاضي أحمد رفعت قراراً مفاجئاً بوقف مجريات القضية في 2 يناير/كانون الثاني مع الانتقال إلى مرحلة المرافعات الختامية في اليوم التالي، رغم أن الدفاع لم يكن قد سحب طلباته بالاستماع إلى شهود إضافيين، أو بالاطلاع على معلومات يعتبرها هامة. رغم أنه يبدو أن هذا القرار يدخل ضمن سلطات المحكمة بموجب القانون المصري، فربما أدى إلى تقويض حق المدعى عليهم في الحصول على فرصة كافية لعرض دفاعهم، وقد يؤدي إلى تغيير الحُكم بسهولة في مرحلة الاستئناف.
تقتصر الجرائم الجسيمة التي تتناولها المحاكمة على تلك التي شهدها الأسبوع الأولى من الثورة التي أدت إلى خلع مبارك. هذه المحاكمة وحدها لا يمكنها أن تلبي حاجة مصر إلى المحاسبة الشاملة على حُكم مبارك الذي دام ثلاثين عاماً. إذ يجب أن تشتمل مثل هذه المحاسبة على تحقيقات موثوقة ومحايدة، ومحاكمة من قاموا بالتعذيب والإخفاء القسري للأفراد، وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان المنهجية، ناهيك عن انتهاكات جسيمة أخرى للحقوق، مثل التعذيب، تحت حكم الجنرالات منذ خروج مبارك من السلطة.
إن محاكمة مبارك ووزير داخليته أمام محكمة جنايات عادية يحكمها قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية، تتناقض تناقضاً واضحاً مع المحاكمات العسكرية التي خضع لها نحو 12 ألف مدني منذ إجبار مبارك على التنحي في فبراير/شباط 2011.
إن الحكومة لم توضح كيف سيكون رد فعلها على الحُكم في قضية مبارك، ولم يوضح النائب العام إن كان يعتزم إحالة مبارك للمحاكمة في اتهامات أخرى متعلقة بانتهاك حقوق الإنسان والفساد أم لا.
إذا أعلن القاضي أحمد رفعت الحُكم يوم السبت، فمن المرجح أن يزيد من توتر المناخ السياسي المتوتر أصلاً في مصر. إلا أن الحُكم عندما سيصدر، فسوف يتذكر الرئيس القادم لمصر – بغض النظر عن الحُكم نفسه – أن المحاسبة القضائية على الأعوام الثلاثين الماضية قد بدأت وأنها – المحاسبة – في مرحلة البدايات.
* جو ستورك هو نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.