رد ايران على ضربة اسرائيلية
بقلم د. منذر سليمان*
نادرا ما يتم اتقان لعبة سياسية تقترب من المسرحية، في الاعداد والتمثيل والاخراج والدقة والدجل ايضا، كما هو الامر مع منظمة اللوبي اليهودي في اميركا، ايباك، والحشد الهائل الذي تعده لمؤتمراتها السنوية، تستضيف فيها زعماء دولة وساسة كبار في اميركا، وتلقائيا من “اسرائيل.”
ويتكرر الخطاب الممجوج بوعوده الزاخرة بمزايدات السياسيين على من هو اكثرهم انحيازا لدعم سياسة الاحتلال، كما شهد المؤتمر السنوي الاخير بحضور الرئيس اوباما ورئيس “اسرائيل” الفخري ومعظم طاقم مرشحي الرئاسة الاميركية، اذ انبرى الجانب الاميركي بكل اطيافه لترديد ذات العبارات الرنانة: “اسرائيل اقوى حليف لاميركا … اميركا اقوى حليف لاسرائيل … اسرائيل هي النموذج الديموقراطي الوحيد في المنطقة.” اما الجانب “الاسرائيلي” ممثلا ببنيامين نتنياهو فلم يخرج عن السيناريو المعد مرددا “نكن تقدير عميق للتحالف العظيم بين بلدينا.” اما الفارق النوعي هذه المرة فهو اضافة نتنياهو تميز “اسرائيل” عن غيرها قائلا “عندما يتعلق الامر ببقاء اسرائيل على قيد الحياة، ينبغي علينا دوما ان نبقى اسياد مصيرنا.”
ولم يخف نتنياهو ما يدور في خلد “اسرائيل” مخاطبا الجميع بالقول “كرر الرئيس اوباما التزامه في منع (استكمال ايران لبرنامجها النووي) ذلك. واعرب بوضوح ان كافة الخيارات مطروحة على الطاولة، والسياسة الاميركية (نحو ايران) لا تعتمد (مبدأ) الاحتواء. حسنا، اسرائيل تتبع السياسة عينها بالضبط. نحن عازمون على اعاقة ايران من استكمال جهودها لتطوير اسلحة نووية؛ نبقي كافة الخيارات امامنا على الطاولة؛ و(سياسة) الاحتواء ليست خيارا بالتأكيد. الدولة اليهودية لن تسمح لاولئك الساعين لتدميرنا اقتناء الوسائل لبلوغ ذاك الهدف. يجب ايقاف ايران من التسلح بالنووي.”
اوباما، بالمقابل، خاطب الحضور بود مشابه قبيل لقاءه الرسمي مع نتنياهو في البيت الابيض. اذ قال “كما كررت سابقا، اللحمة بين بلدينا غير قابلة للانفراط. التزامي الشخصي – التزام يتسق مع تاريخ آخرين مروا على البيت الابيض – التزامنا بأمن اسرائيل متين كالصخر.” واضاف اوباما ان “اميركا تسند ظهر لاسرائيل،” اي عمل كل ما يتطلب الامر لحماية اسرائيل.
لكن الادارة بدأت تطلق لهجة تراجعية عن المواقف المعلنة سابقا. وسعى اوباما لتفسير مبغاه من التصريحات في مقابلة مع شبكة (اي بي سي) قائلا “هذا يعني انه تاريخيا تعاونا دوما مع اسرائيل، فيما يتعلق بالدفاع عن اسرائيل” وان العلاقة الخاصة المذكورة ليست حصرا على اسرائيل، بل شبيهة بالعلاقة الاميركية مع حلفائها “بذات الطريقة التي نتصرف بها مع النطاق الشامل لحلفاء آخرين، كما هي العلاقة مع بريطانيا العظمى واليابان.” وفي توضيحه لتعبير “حماية ظهر اسرائيل” قال ان الوصف “لا يمثل عقيدة عسكرية نقوم بطرحها على خلفية عمل عسكري محدد،” اي ايران. الوصف “شكل اعادة طرح لموقفنا الثابت بأن أمن اسرائيل هو قضية تهمني جدا … وتدل على عميق اهتمامنا به.”
من نافل القول، ان ايران ستقوم بالرد على اسرائيل ان تعرض برنامجها النووي لهجوم عسكري، الا ان فرص الرد السريع المباشر تبقى محدودة. فايران لا تمتلك سلاحا جويا او بحريا فاعلين لتهديد اسرائيل بالمثل، لكن بحوزتها ترسانة هائلة من الصواريخ التي قد تستخدمها. ومن بين الاساليب المفترضة:
1 – هجمات يقوم بها انصار ايران
اكثر سبل الرد ترجيحا واقلها كلفة هو الرد غير المباشر عبر انصارها في الشرق الاوسط، واوروبا والولايات المتحدة بعمليات انتقامية دون اعلان مصدرها. وهذا من شأنه تقليص حدة ردة فعل كل من اسرائيل والولايات المتحدة ويوفر لايران قدرا معقولا من اخفاء ونفي المسؤولية.
2 – الهجمات البارزة للعيان ضد “اسرائيل”
من بين الاهداف المرجحة استهداف القوات الاميركية المتواجدة في افغانستان والعراق، ليس لناحية سهولة التسلل للبلدين فحسب، بل تستطيع ايران الاعتماد على قاعدة دعم محلية مؤثرة وافضل جدوى مما قد يتوفر لها في اوروبا او اميركا.
3 – شن هجوم بالصواريخ على “اسرائيل”
باستطاعة ايران الرد عبر اطلاق الصواريخ من الاراضي الايرانية، مما يتيح لها التغلب على المخاطر الناجمة عن الاعتماد على حلفائها في فلسطين ولبنان وسورية. كما ان الاطلاق سيؤكد على عزم ايران وقوتها على الرد، وهو الأمر الذي اشارت له صحيفة “نيويورك تايمز” حديثا بالقول “أكد المسؤولون الاميركيون امكانية قيام ايران بالرد على اي هجوم اسرائيلي على منشآتها النووية عبر اطلاق الصواريخ على اسرائيل … الرد الصاروخي ضد اسرائيل أمر شبه مؤكد.”
من المعلوم ان بحوزة ايران كمية كافية من الصواريخ تتيح لها القيام بالرد، لكن من المشكوك به ان تحقق دقة في اصابة الاهداف المرجوة. اذ تمتلك اسرائيل نظاما دفاعيا ضد الصواريخ باستطاعته اعتراض جزء من الصواريخ القادمة – رغم عدم التيقن من فعاليتها الميدانية – خاصة ان لم يتوفر لدى ايران العدد الكافي من منصات الاطلاق لتسديد رشقات صاروخية مكثفة وهائلة تطغى على منظومة الدفاع الاسرائيلية وتكشف عجزها.
العامل الآخر هو دقة التصويب والاعتماد على صواريخ شهاب-3 الايرانية، والتي يقال ان باستطاعتها الوصول لاسرائيل. فصاروخ شهاب هو نسخة معدلة من صاروخ (نو دونغ) الكوري الشمالي، الذي تتضارب حوله الاقوال ويقارنه البعض بالصواريخ العراقية التي اطلقت على اسرائيل عام 1991، والتي اسفرت عن نطاق دمار محدود. لكن لا ينبغي استبعاد فرضية تطوير قدرته على اصابة الهدف بدقة عبر اجهزة التوجيه الحديثة، وقدرة ايران كذلك على تحميل الصاروخ رؤوسا تفجيرية اشد تدميرا.
4 – اغلاق مضيق هرمز
تهدد ايران مرارا وتكرارا باغلاق مضيق هرمز والذي من شأنه اعاقة الملاحة للسفن العابرة في غياب ترتيبات لمرافقة وحماية الملاحة من قبل سلاح البحرية الاميركية والدول الغربية الاخرى وكذلك البحرية التابعة لبعض دول مجلس التعاون.
لتنفيذ ذلك، تستند القدرة الايرانية الى ثلاثة عوامل ذاتية: سلاح البحرية الرسمي، سلاح البحرية التابع للحرس الثوري، والصواريخ المضادة للسفن المنصوبة ومحصنة جيدا على الساحل وفي جزر المضيق الصغيرة.
في الطرف المقابل، تتواجد قطع بحرية متعددة تابعة للغرب والدول الخليجية والتي تتفوق نظريا على نظيرتها الايرانية. سلاح البحرية السعودية هو الاكبر حجما من بين القطع البحرية لدول الخليج، ويضم فرقاطات وطرادات للقتال الارضي والتي تتميز بعدة خصائص من بينها قدرتها الاطول على البقاء في ساحة العمليات. كما يضم سبعة كاسحات الغام بحرية، والتي باستطاعتها مواجهة قدرة ايران على زرع الالغام. اما سلاح البحرية الاماراتي فهو الثاني من حيث الحجم والقوة. بغض النظر عن طبيعة التكتيكات التي ستسلكها ايران لتحقيق اغلاق المضيق ودون الخوض كذلك في التكهن بمدة الاغلاق، من شأنه ان يترك تأثيرا كبيرا على امدادات النفط واسعاره في الاسواق العالمية. ويبدو ان هذا القلق على امدادات النفط واستقرار اسعاره قد يدفع بالرئيس اوباما الى تجنب اي نزاع او مغامرة عسكرية لاي سبب مع ايران لحين حلول الانتخابات الرئاسية الاميركية في شهر تشرين2 / نوفمبر المقبل.
مع كتابة هذه السطور يبدو ان هناك تراجع تدريجي عن الضجيج السياسي الذي احدثه نتنياهو ومؤيديه حول حتمية توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية. بالطبع، احرز نتنياهو والمعسكر المؤيد للحرب نجاحا في التركيز على الملف النووي دون سواه في الاجندة العالمية والاقليمية في الاسابيع الاخيرة، لكن تصريحاته بعد عودته من زيارته للولايات المتحدة تدل على انصياعه لمشيئة اوباما واركان ادارته باعطاء فرصة اضافية للعمل الديبلوماسي والعقوبات في معالجة مسائل تتعلق بالملف النووي الايراني.
وصرح نتنياهو للقناة العاشرة “الاسرائيلية” انه “لا يقف ممسكا بساعة توقيت، فالمسألة ليست مسألة ايام او اسابيع، لكنها ايضا ليست مسألة سنوات، والجميع يفهم ذلك.” بالطبع سيستمر نتنياهو بممارسة ابتزاز اوباما ودول العالم الاخرى باصراره على ما يدعيه “حق اسرائيل” بتوجيه ضربة عسكرية ضد ايران اذا كانت على وشك امتلاك السلاح النووي؛ ويساعده في عملية الابتزاز دخول الولايات المتحدة في دورة انتخابات رئاسية ورغبة اوباما لتفادي انخراط اليمين الاميركي في حرب اقليمية او تدخلات عسكرية كونها مخاطرة غير محسوبة، قد تهدد حظوظه في الاحتفاظ بالبيت الابيض لدورة ثانية.
ان اعطاء العقوبات وامكانية استئناف المفاوضات مع طهران فرصة زمنية كافية يترافق مع ارسال اشارات بالمرونة من واشنطن حول شروط استئناف المفاوضات، (التي يرمز اليها 5 + 1، اي الدول دائمة العضوية في مجلس الامن والمانيا) مع طهران كما جاء على لسان الناطق باسم الخارجية الاميركية حديثا ان تفتيش المنشآت العسكرية الايرانية ليس شرطا مسبقا لاستئنافها، وحرص البيت الابيض كذلك على نفي مناقشة طلب تل ابيب التزود باسلحة نوعية مثل القنابل الخارقة للتحصينات، الضخمة والذكية، مما يوحي بعدم مجاراته للموقف الاسرائيلي حيال توجيه ضربة عسكرية لايران.
تبقى الاشارة الى ان طبيعة الرد الايراني على هجوم يشمل منشآتها النووية قد تنحصر على رد ايراني صرف دون مساندة من الحلفاء، في المرحلة الاولى. لكن ان لجأت تل ابيب الى التصعيد واستمرار الهجمات فقد تتدحرج العمليات الحربية لتشمل ساحة اقليمية واسعة تمتد من طهران وصولا الى تل ابيب وتشمل منطقة الخليج وسورية ولبنان وفلسطين وربما الاردن. وستستهدف الضربة اللاحقة من ايران وحلفائها كل طرف يظهر انه لعب دورا مساندا لوجستيا، مباشرا او غير مباشر، لاسرائيل في الهجوم على ايران.
مدير مركز الدراسات الاميركية والعربية
- وجهات النظر في هذا الموضع لا تعبر عن وجهة نظر وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك. الموضع لا يعبر الا عن وجهة نظر كاتبه.